![]() |
زهير عبدالله |
زهير عبدالله - كاتب
من رحم التسلط تولد المنغصات كلها وتتفرع المشاكل فينسى الناس المشكلة الرئيسية وهي الفقر والجهل والتخلف والمرض والحروب والكوارث ويفكر في الفروع الناشئة عن الأصل وهو التسلط.
من رحم التسلط تولد المنغصات كلها وتتفرع المشاكل فينسى الناس المشكلة الرئيسية وهي الفقر والجهل والتخلف والمرض والحروب والكوارث ويفكر في الفروع الناشئة عن الأصل وهو التسلط.
- لنضع تسلسل للأمور ولنبدأ من الفرد، الفرد هو جزء من عائلة تشكل كيان فإذا نظرنا إلى العائلات على سبيل المثال ، نجد أن هناك سبب رئيسي لفشل بعض الأبناء وسبب ذلك هو تسلط الأباء عليهم .
ـ هذا صحيح ولكن الأب يتسلط على ابنه من باب التربية والإرشاد إلى ما هو جيد.
ـ نعم ولكن من وجهة نظره هو بعقلية العصر الذي كان يعيشه هو والأفكار الذي يؤمن بها هو ، وبالتالي فقد مح هذا الأب شخصية أولاده من الوجود ودمر أحلامهم وطموحاتهم ومستقبلهم
ـ ولكن هذا سببه الجهل.
ـ نعم ومن أين جاء هذا الجهل إلى الأبوين من مورثات قديمة سببها التسلط ودعنا ننتقل من جو العائلة إلى جو العمل،
- من يدخل جو العمل يجد أن هناك متسلطون، هدفهم هو تحطيم أي طموح خوفاً من أن يكون هذا الطموح صحيح وبالتالي يكشف أوراقهم الزائفة ويصبحون لا معنى لوجودهم.
- وإليك مثال أخر العلاقة بين الزوجين ، أن سبب الكثير من انهيار العلاقات الزوجية سببها التسلط ، تسلط أحد الزوجين على الاخر سواء أكان الزوجة أو العكس : وهكذا نجد أن التسلط موجود حيثما تحركنا ونجد المشاكل موجودة بوجود التسلط .
- والسلطة مطلوبة لاستمرار حياة الناس ولا يمكن الاستغناء عنها في أي مكان في المنزل
- في القرية - في المدينة - في الدولة
ـ والسلطة تعني تنظيم أمور الحياة ونشر المساواة بين الناس في كل الامور وهكذا تكون محصلتها [ العدل ] والعدل شمس تسطع بنورها على الجميع.
- إن السلطة أما أن تكون عدل أو تسلط، والوضع السائد في هذا الكواكب هو [التسلط ]وبناء مؤسسات العدل المصطنع المفصل على مقاس أصحابه.
- نتساءل هل يوجد عدل مصطنع ؟
ـ نعم إن المتسلطين عندما يمتلكون سلطة فأول شيء يفكرون به إنتاج العدل المصطنع، ولكل متسلط فكرة في العدل المصطنع.
وهكذا تتحول السلطة إلى تسلط وتدور الألة لتنتج عدل مصطنع يدوم ما دام صاحبه متسلط .
- وهناك سؤال :
لماذا يحب المتسلطين التسلط، مع أنهم يعلمون أن النتيجة ستكون سيئة حتماً والأمثلة أمام أعينهم كثيرة لمن سبقهم من المتسلطين.
ـ وادخل في علم التحليل النفسي:
ـ هؤلاء يعانون من مرض نفسي متأصل بأنفسهم نتيجة عدم الثقة بالنفس والشعور بالنقص، لذلك يصبح التسلط عندهم متعة ولذة جميلة.
ـ فكلما كان العقل فارغ من الأفكار العلمية المفيدة كان صاحبه متسلط أكثر فهو لا يعرف ماذا يريد، ربما يكون الهدف الوحيد هو استعباد من حوله بأي وسيلة كانت ، هؤلاء يعيشون في عقلية القراصنة وعقلية الزير وسيرة عنتر، متناسين أخلاق عنتر..
وليس شرط أن يكون هؤلاء كلهم ظاهرين ، ربما يكون شخص من هؤلاء يعيش في كوخ ولا يملك ثمن طعامه ومع ذلك تجده متسلط مكبوت فإذا حدثك تجد حديثه عن أمور بدايتها ونهايتها هي التسلط تجده يحفظ القصص التي تتحدث عن أي أنسان كان متسلط ، ربما قاطع طريق أو مروج مخدرات أو مسؤول حالي أو سابق متسلط ، أو حتى امرأة متسلطة على زوجها أو العكس ، وتجد هذه الأفة .
ـ الأرضية الخصبة لتنتشر بسرعة في المجتمعات نتيجة ظروف طارئة ،فيصبح مقياس الرجولة هو من يستطيع ممارسة البلطجة أكثر وتجد أفة الشر متنامية ، فالثأر باليد يكون رجولة والرضوخ إلى الشرعية القانون يسمونه [ نذالة ]
وكبت النساء واستعبادها رجولة والتعامل معهن بالحسنة [ عدم رجولة ] وفي هذا الجو تولد أجيال وتموت أجيال ولكن التسلط باقي كما الهواء باقي، وهؤلاء يمثلون أسفل هرم التسلط وبعد ذلك يصبح التسلط درجات ترتفع بارتفاع الهرم.
ـ وإذا انتقلنا إلى رأس هرم التسلط مباشرة :
ـ نجد أن المتسلط هنا يكون [ الخطر الشديد ] لأنه يكون هو الرأس أو الزعيم، وهؤلاء الفئة يتحكمون بمصير أمة كاملة وليس مصير أنفسهم ، تكون السلطة والثروة بأيديهم يستخدمونها كيفما يشاؤون ، مفصلين ثوب العدالة المصنع على مقاسهم ورافعي الشعارات المتناسبة مع أفكارهم وعلى الجميع أن يسمع ويطيع دون نقاش .
ثم ينتقلون من مرحلة الزعامة المطلقة إلى مرحلة التسلط المطلق تليها مرحلة نصف النبوة، حيث تصبح أفعالهم مستندة على إلهام من السماء.
وبذلك يتوجب على الجميع إطاعتهم حتى العبودية، وكل رأي مخالف يكون خروج على إرادة السماء، جزاءه قطع الرأس ومع ازدياد تسلطهم، يتولد في عقولهم [ وهم ]أنهم المختارين من السماء وأن أفعالهم صحيحة و أفكارهم ألهام من السماء.
ثم يكبر الوهم لينتقل من التسلط المحدود على جزء من الأرض إلى التسلط على كوكب الأرض كله شيئاً فشئاً .
والتاريخ يؤكد الكثير من الأمثلة عن هؤلاء الفئة الفاسدة على سبيل المثال [ هولاكو ] وهتلر ...الخ ] .
ونتيجة تسلط هؤلاء وحب ازدياد تسلطهم يتسببون بقتل ملايين الناس دون ذنب وينهبون ثروات الناس وجهودهم ويجهضون الأحلام قبل أن تولد.
ويدمرون أمتهم بالذات قبل غيرها ويكون مصيرهم المحتوم وهو القتل الذليل ويبق ذكرهم لتلعنهم الناس على امتداد التاريخ .
ـ ونتسائل :
إذا كان المتسلطين مرضى نفسيين يفرغون كبتهم في تدمير الناس، ويريدون أثبات ذاتهم من خلال التسلط على الناس وما هو مؤسف فعلاً أن الدنيا مليئة بالعلماء والحكماء والعقلاء فأين هؤلاء ، لماذا لا يقولون لهؤلاء المتسلطين [ لا ] .
- والجواب:
المتسلطين هؤلاء تراكم ليس وليد اليوم ، إنه تراكم تاريخي قديم ، وكل متسلط أول شيء يفعله حيثما كان موقعه ، سواء كان في موقع بسيط أسفل الهرم أو في رأس الهرم ، هو أبعاد العقلاء والمفكرين من حوله بأي وسيلة كانت ، ويأتي بأمثله ليكونوا حوله ..
وهكذا تتغلب شهوة التسلط على حكمة العقل وتصبح البيئة كلها بيئة تسلط، حتى التربية تكون أركانها التسلط، فحيثما التفت تجد التسلط موجود.
في العائلة ، في السوق ، في الطريق ، في كل مكان ، أجل في كل مكان ويصبح الإنسان الغير متسلط في نظر[ البيئة ] إما جبان أو مختل عقلياً أو فاشل أو شيىء أخر .
وهنا تفقد فئة الحكماء تأثيرها حتى على أقرب الناس إليها لأن الأغلبية تغلب الأقلية وتسير الأمور امتداد بعضها لبعض.
ولو استعرضنا التاريخ وأخذنا حياة سقراط مثلاً :
كان سقراط أبن نحات تماثيل وعمل في صنعة أبيه وفي أواخر عمره انتقل إلى الفلسفة وكان يقول [ أنا أولد الحقيقة من عقول الرجال ]
ـ كان سقراط يصيغ الحكمة وينشرها بين الناس في فترة كانت الحضارة اليونانية فيها خارجة من نصر على الفرس ، تعيش حالة من الثراء المادي ولكن هذا الثراء كان بيد فئة قليلة من أثرياء الحرب وباقي الشعب اليوناني كان يعيش حالة يرثى لها من الفقر .
ـ وكان الحكماء اليونانيين في هذه الفترة أصبحوا [ حكماء للحكام ] يصيغون لهم الأشياء كما يرغبون فقالوا [ إنه لا حقيقة في الدنيا إن حقيقة كل إنسان كما تبدو له إن الحق متغير بتغير الأشخاص والأنسان غير مقيد في طلب السعادة والخير إلا بلذة جسمه وإشباع شهواته ] وأصبح الاستهتار بالقيم والأخلاق هو السائد .
ليست هناك تعليقات